التقمص Identification
فعل يتبنى فيه الفرد مشاعر الآخرين وأفعالهم واتجاهاتهم ويمارسها كما لو كانت مشاعره وأفعاله واتجاهاته هو
*********
تعالوا نتابع معاً يوميات واحد من المتقمصين
*********
التاسعة صباحاً
الدور: طالب مجتهد
احرص على أن تحضر قبل أي طالب آخر.. قبل الدكتور.. وقبل حرس الجامعة أنفسهم
اجلس دائماً في المقدمة، وفي مكان محدد لا تتخلى عنه أبداً، وبحيث يحفظ المحاضر مكانك وشكلك.. سجل كل كلمة يقولها المحاضر في دفترك.. لابد أن تنهمك جداً في الكتابة، وأن تشحذ كل اهتمامك وانتباهك، وأن تترفع عن تفاهات الآخرين، فلا تكترث لفتاة بجوارك، أو لنغمة جديدة تسمعها من هاتف زميلك الجديد
حين ينتهي الدكتور من محاضرته، سيسأل بالتأكيد: أي سؤال..؟
انتهز تلك الفرصة ولا تضيعها.. لن ينتبه أحد، فضلاً عن أن يهتم، لذلك قم أنت وحدك من بين الجموع ووجّه سؤالك.. ناقش الدكتور في عدة نقاط سجلتها في كشكول محاضراتك.. وحين تنتهي.. لا تنتظر في مدرجك.. اخرج وراءه.. احمل عنه حقيبته واسأله عن أي شيء.. مراجع.. مواقع إنترنت.. نظام الامتحانات.. اهتم بمعرفة رقم هاتفه على وجه الخصوص، سيمنحك هذا مركز قوة يحسدك عليه الآخرون إلى أن تموت
*********
الثانية عشرة ظهراً
الدور: شاب رومانسي جداً
شاب وسيم.. دي حاجة بتاعة ربنا.. شعر ناعم.. يمكنك استخدام كريم فرد.. وملامح رقيقة رومانسية وديعة.. يمكنك تقليد الذئب في قصته مع ذات الرداء الأحمر
قف في ركن بعيد من أركان حرم الجامعة، وبحيث يمكنك مراقبة الجميع، بينما لا يراك أحد.. انتظر حتى تأتي فرصتك.. ستشاهد أقرب أصدقائك يتبادل كلمات عابرة مع فتاتك.. وربما يبتسم لها أيضاً
الآن أنت تعرف الحقيقة كاملة..
ادعُ صديقك إلى كوب ليمون في كافتيريا الجامعة.. هي خسارة لا بأس بها.. أعرف.. لكن الليمون ضروري دائماً في تلك المواجهات الرومانسية
لا تنظر في عين صديقك مباشرة.. اشرد بنظراتك بعيداً حيث لا أحد.. احرص على أن يكون كلامك بطريقة هامسة.. خافتة.. منكسرة.. صارحه بأنك أغلى عنده من كل فتيات الدنيا.. سينظر لك بعدم فهم.. لا تهتم
صارحه بأن الرجل الذي يخسر صديقه من أجل فتاة لا يستحق كلمة (رجل).. الآن تدور بذهنه آلاف الاحتمالات.. لا تمهله.. صارحه بأنك تضحي بحب طفولتك لأجل صداقتكما.. يبدأ هو في الفهم.. سيهم بأن يقول: ولكننا لم نـــ
لا تمنحه الفرصة أبداً لأن يقول شيئاً.. صارحه بأنك لن تتحدث إليها مجدداً.. وأنك ستمحو اسمها من ذاكرة هاتفك المحمول.. وعنوانها من قائمة مراسلاتك.. سترد إليها ولاعة السجائر التي أهدتها إليك في عيد ميلادك السابق رغم أنك لا تدخن، ولن تسترد الدبدوب الذي أهديته لها يوم نجاحها في امتحان الدور الثاني
يمكنك أن ترسم دمعتين حارتين في عينيك..
ثم انهض على الفور، وقبل أن ينطق بحرف واحد
الآن يمكنك السير باكياً في طرقات الجامعة.. ترى الدنيا من عوينات سوداء متسخة.. وتسترجع ذاكرتك أغنية: آسف حبيبتي
وبضمير مستريح تبدأ بحثك عن حب جديد
*********
السابعة مساء
الدور: أديب في انتظار الوحي
في سيتي ستارز.. وفي كوستا تحديداً.. تجلس في الركن البعيد الهادئ، تحديداً في الزاوية التي تعرف أن المارة –غادين ورائحين– لابد يرونك فيها بوضوح
الآن افتح دفتر أشعارك على الطاولة التي استقر فوقها قدح القهوة السوداء.. أمسك بقلم الحبر الأسود بين الوسطى والسبابة، وضع طرف القلم على أطراف شفتيك.. لا تنس شرود نظراتك، واجعل شلة الفتيات المتأنقات في مجال عينيك
انسَ الدنيا وكل ما فيها.. ومن حين لآخر سطر كلمات مبهمة في أول سطر.. تأمل شكل الورقة قليلاً ثم انزعها من مكانها بكل عنف ممكن، وبحيث تجذب إليك أنظار الجميع
أخيرًا كوّر الورقة بين أنامل يديك، وألقِ بها في أقرب سلة مهملات.. ثم ابدأ دورك من جديد
*********
منتصف الليل
الدور: شاب روش طحن
يرنّ هاتفك حاملاً اسم زميلك الذي يؤدي لك ذات الدور الذي أداه اللمبي مع الناظر صلاح الدين.. راجع مظهرك جيداً قبل النزول.. السلسلة الفضية.. لا تسمح إمكاناتك بواحدة ذهبية تحيط بعنقك.. الوشم الأزرق يتألق على رسغك.. الجيل يحافظ على ثبات شعرك.. وقطعة علكة.. لبان يعني.. تمارس حركتها الدءوب في أنحاء فمك.. طبعاً لا تنسَ الموبايل في إحدى يديك، وفي اليد الأخرى سلسلة تلفها على سبابتك من وقت لآخر
انتقِ أقصر تي شيرت لديك، وأوسع بنطلون ممكن، ولا تنس ارتداءه بشكل ساقط يظهر سروالك الداخلي، الذي لابد أن تحرص على كونه مشجر وليس سادة
حين تلتقي صديقك صافحه على طريقة: كفَّك.. قبله أربع مرات، مرتين في كل خد، ثم اسأله عن أخباره وأحواله: ازيك يابن الـ.... واملأ الفراغ بما يتناسب ومكانة صديقك لديك
لا ترد دعوته لك على سيجارة معمّرة، احرص على أن تضيف لقائمة مفرداتك تعبيرات من طراز: المزّة دي جامدة طحن).. يا جدعان أنا جعان فَحْت.. وأعتذر إن كانت ثقافتي وقفت عند هذا الحد، دون متابعة لآخر مفردات اللغة الجديدة
*********
العــــــلاج
مرة أخرى نقف عند مرض عضال، لم نتمكن من الوقوف على علاج ناجح له
لكنني سأقتبس لك مقتطفات من نصائح عباس العبد في الرواية المعنونة باسمه.. صحيح أنه كان مريضاً نفسياً، ولكن من منا يا سادة لا يخلو من مرض نفسي
يقول عباس: هناك ما أود ارتكابه بين حين وآخر.. كأن أكون نفسي.. بكل حماقاتي الصغيرة التي أحب اقترافها.. أصرخ في وجه الآخرين: توقفوا عن تقييمي.. تقبلوني كما أنا.. لا كما تريدون لي
*********
والآن يا صديقي.. هل يمكنك أن تكون أنت.. لا ما يريده دكتور الجامعة.. ولا بنات المول.. ولا فتاتك التي تحب.. ولا صديقك الروش..؟
هل يمكنك أن تكون نفسك.. وأن تصارح الآخرين بأنك أنت أنت.. ولست واحدا آخر؟
عَـدّد الأدوار التي تضع نفسك في قوالبها في كل لحظة
ابحث عن نفسك في كل منها.. ثم لا تجبنا نحن عن السؤال.. أجب نفسك أولاً
*********
ارجو ان يكون الموضوع نال اعجابكم
وانتظر الردود على هذا الموضوع